بقلم / عبدالفتاح علي البنوس
……
الإجرام السعودي ليس وليد العدوان على بلادنا كما قد يظن البعض، ولكنه متجذر ويعود إلى ما قبل تأسيس الدولة السعودية الأولى، حيث مارس آل سعود صنوف الإذلال والقمع والقتل والتنكيل في حق أبناء نجد والحجاز بهدف تثبيت ملكهم وترسيخ دعائم دولتهم، ولعلَّ مجزرة الجنود السعوديين في حق الحجاج اليمنيين التي شهدها وادي تنومة بإمارة عسير والتي راح ضحيتها قرابة ثلاثة آلاف شهيد من حجاج بيت الله الحرام من أكثر مجازر آل سعود بشاعة وإجراما ووحشية..
ثلاثةُ آلاف حاج يمني بزِادِهم وراحلتهم عقدوا العزمَ والنيةَ على التوجه إلى بيت الله الحرام لأداء مناسك الحج في العام 1923م، خرجوا مهلّلين مكبرين وأعينهم تفيضُ من الدمع شوقاً لبيت الله الحرام ورغبةً في أداء الركن الخامس من أركان الإسلام، تجمّعوا من مختلف المحافظات وجرت لهم مراسيمُ التوديع المهيبة في مدينة صنعاءَ قبل أن ينطلقوا في أمان الله وحفظه في رحلة الحج بعد أن منح السعوديون لهم الضوءَ الأخضرَ بسلامة وتأمين الطريق، وما إن دخلوا المناطقَ الخاضعةَ لسلطة عبدالعزيز آل سعود مؤسّس الدولة السعودية الثالثة وتوغلوا فيها حتى أحيطوا بمرافقة سرية من الجنود السعوديين بقيادة الأمير خالد بن محمد ابن شقيق الملك عبدالعزيز وواصلوا معهم السيرَ حتى وصلوا وادي تنومة في بلاد عسير وهناك تعرَّضَ حجاجُ بيت الله الحرام لهجومٍ سعودي إجرامي وحشي قذر، اعتداء همجي على ضيوف الرحمن ، جسَّد فيه المهاجمون قذارة ووحشية وصلف وإجرام آل سعود ، وأظهر حقدهم الدفين وعدم مراعاتهم لحرمة الحج وتعديهم على ضيوف الرحمن الذين قصدوا بيته الحرام ليشهدوا منافع لهم ، وليذكروا الله في أيام معلومات..
حيث أقدم الجنودُ السعوديون بقيادة المجرم سلطان بجاد العتيبي ومجاميعه المسلحة على إطلاق النار على الحجاج اليمنيين بعد أن تأكّدوا من الجنود السعوديين الذين رافقوهم من عدم امتلاك الحجاج اليمنيين أي أسلحة، لتبدأ أحداثُ المذبحة الدامية وبعد أن استنفد القتلة ذخيرةَ بنادقهم نزلوا بسيوفهم وخناجرهم للإجهاز على من تبقى على قيد الحياة من الحجاج، لم يرحموا حتى النساءَ والأطفالَ والطاعنين في السن، ليسقط قرابةُ 2500 شهيدٍ فيما نجا قرابة 500 حاج بأُعجُوبة، ليبدأ القتلةُ نهب أموال وممتلكات الحجاج، في الوقت الذي خيّم فيه الحزنُ على كافة أرجاء اليمن، فلا تكاد منطقة يمنية إلا وكان لها شهداءُ في تلكم الجريمة المروّعة التي للأسف تم التعامُلُ معها من قبل الإمام بحالة مفرطة من السلبية، واكتفى بالتحكيم والاعتذار السعودي، وتحدثت بعض المصادر عن مبلغ مالي دفعته السعوديةُ كتعويض مقابل أموال الحجاج التي نهبت..
ومع مرور الوقت وتعاقب السلطات نجح آلُ سعود في إخفاء هذه الجريمة وتغييبها عن التاريخ وظلت مغيَّبة تماماً حتى اشتعال شرارة ثورة 21 سبتمبر؛ لتكشف تفاصيل هذه الجريمة عن وحشية وإجرام أسرة آل سعود وجرأتهم الوقحة على استهداف حجاج بيت الله الحرام ، وبالكشف عن مجزرة تنومة يتجلّى بوضوح الحقدُ السعودي اليهودي على الإسلام والمسلمين وينفتح المجال لمراجعة قائمة الحوادث التي تعرض لها حجاج بيت الله الحرام والتي كانت تبرَّرُ بأخطاء يرتكبُها الحجاج متعلقة بمخالفتهم لإجراءات السلامة، لكن مجزرة تنومة جعلت الكثيرَ من المهتمين يقفون على بعضِ هذه الحوادث وملابساتها ومدى صحة الرواية السعودية بشأنها من عدمها ، فلا عهد ولا دين ولا ذمة ولا أمان لآل سعود.
بالمختصر المفيد: من أقدم على قتل آلاف الحجاج وهم في طريقهم لأداء فريضة الحج سيراً على الأقدام قبل 94 عاماً لا يُستبعَدُ عليه أن يتآمرَ على حجاج بيت الله الحرام اليوم، فالفكر الداعشي الوهّابي الذي كان السببَ وراء ارتكاب مجزرة تنومة هو نفسُه الموجودُ اليوم، وهو نفسه الذي قتل عشراتِ الآلاف من اليمنيين في العدوان على اليمن بدم بارد، ومَن أراد الاطلاعَ على تفاصيل دقيقة حول مجزرة تنومة فعليه قراءة كتاب “مجزرة الحجاج في تنومة وسدوان” للباحث والمحقّق الأستاذ حمود عبدالله الأهنومي وسيقف على طبيعة وحقيقة وفظاعة ما جرى ، وسيدرك أن آل سعود لا يقلِّون خطرا عن الإسرائيليين، فكلاهما في مسار واحد وتربطهما روابط واحدة ، وكل واحد منهما يكمِّل الآخر في المؤامرة الكبرى التي تحاك ضد الإسلام والمسلمين.