مهمة صعبة .. لكنها ليست مستحيلة .. || مقالات ||
بقلم / نجيب محمد العنسي
حالة الفوضى الأمنية التي عاشتها البلاد خلال مايزيد عن ثلاثة عقود ، تركت ندوبا غائرة في جسد هذا الوطن المنهك .
وهي ندوب نجد آثارها الجانبية في التركيبة النفسية للمواطن ، والتركيبة الاجتماعية والسياسية، واسلوب التفكير الجمعي، والفردي.
_ لقد ترك نظام عفاش الإختلالات الأمنية لتنمو، حتى تصبح ظواهر اجتماعية، دون تدخل من الدولة.
فكانت القطاعات في الطرق ، وجرائم الحرابة، مما يجب على المواطن أن يعانيها بصمت، ويتقبلها كقضاء وقدر ، لا كجريمة على الدولة أن تتدخل لإيقافها، وانقاذ المواطن منها ، ومعاقبة مقترفيها .
وصارت كثير من الجرائم ، وعلى رأسها الاغتيالات ، أمرا مألوفا حتى لدى رجال الأمن ، الذين كان عليهم فقط محاولة تفاديها والنجاة بأنفسهم .
وكان نهب اسلحة الدولة ، وتسخيرها لإقلاق السكينة ، من السلوكيات التي يفخر بها المشائخ والوجاهات ، والقادة العسكريون ، وكان تشكيل العصابات المسلحة، وتوظيفها للسطو على الأراضي ، أو استخدامها للإرهاب السياسي ، من القضايا المرعيّة والمباركة من قبل الدولة .
_ هكذا كان الحال .
وحين أرادت حكومة مابعد ثورة ال ٢١ من سبتمبر ، اعادة الأمور إلى طبيعتها ، واعادة صياغة مفهوم الأمن ، وتحديد ورسم حدود وصلاحيات الدولة -بعد ان صارت آثارا مطموسة، وغير مفهومة- واجهت الكثير من الصعوبات .
واهم ما واجهته ، اعادة بناء المؤسسة الأمنية ، ولملمت شتاتها ، ومن ثَم اعادة تأهيل رجال الأمن ، واكسابهم العقيدة الأمنية التي تستند على المصالح العليا للشعب .
تلى ذلك التخاطب مع المكونات الاجتماعية والقبلية ، وفق القوانين ، بعيدا عن اسلوب المداهنات ، والاعتبارات الخاطئة التي كانت سائدة ايام النظام البائد ، وكانت تجعل الدولة مجرد طرف او وسيط ظعيف في كل مشكلة او حادثة أمنية ، لا صاحبة الأمر والنهي والصلاحيات لتطبيق القوانين .
بكل وضوح …. كان قد تلاشى تماما مفهوم ” هيبة الدولة ”
وهي المهمة الصعبة التي توجب على حكومة ال21 من سبتمبر ، استعادتها ، قبل الشروع في أي أمر آخر .
– وهذا ما تم فعلا .
لكن الآثار الجانبية الكارثية لفترة الفوضى الأمنية، وغياب دور الدولة ، لازالت تبرز بين فينة وأخرى، وتحديداً حين تسعى الأجهزة الأمنية للقيام بواجبها في فرض الأمن ، وضبط جماعة مسلحة تعمل على قطع الطرق ، أو إقلاق السكينة هنا أو هناك .
فغالبا ما يتدخل بعض المشائخ ويقومون بوساطة لمنع القبض على المطلوبين أمنيا ، المنتمين لمنطقتهم او قبيلتهم ، وأحيانا يعتقد المغفلون من العناصر الخارجة عن القانون ، أن بامكانهم ، اعتراض طريق الحملة الأمنية ، واستخدام القوة ضد رجال الأمن لثنيهم عن القيام بواجباتهم .
وهذا السلوك الشائن حدث كثيرا ، ومؤخرا في منطقة الحدا في محافظة ذمار ، ودائما ما تكون النتيجة هي رفع كلفة تنفيذ رجال الأمن للمهمة ، التي كانوا سيستكملونها على كل حال ، وقد اثبتوا قدرتهم على فرض الأمن والإستقرار، بكل جدارة وبحرفية عالية في كل المناطق التي يديرها المجلس السياسي الأعلى.
فلم يعد من الممكن استمرار حالة غياب الأمن واستشراء الفوضى التي كانت سائدة .
– وتلك هي المهمة الأكثر صعوبة ، وعلى عاتق الأجهزة الأمنية تقع مهمة تنفيذها … وبصرامة.
– مهمة صعبة .. لكنها ليست مستحيلة.
والشعب اليمني الصامد المجاهد ، يستحق أن يعيش بكرامة، و أن يحصل على دولة ترعى مصالحه وتحفظ كرامته .